السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عندما نظرت الى الحياة الدنيا بجمالها وزهورها وأنهارها وسمائها والمناظر الخيالية بها واختلاف ألوانها، سألت نفسي هكذا تكون الحياة الدنيا ..النعيم المؤقت، فكيف بنعيم الجنة وجمالها؟ وكم يساوى الخلود فيها؟
صفة الجنة
دعونا نقرأ قول الله تبارك وتعالى:{فلا تعلم نفسٌ ما أُخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} [السجدة:17]
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: "قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر"
هذه الجنة التى وعد الله بها عباده المتقين، هذه الجنة التى لن يرثها إلا الصالحين، ها هي الجنة التى تكلم عنها شيخ الإسلام رحمه الله ووصفها فقال: خلقها الله بيده وجعلها مقرّاً لأحبابه فملأها من رحمته وكرامته ورضوانه، ووصف نعيمها بالفوز العظيم، ومُلكها بالملك الكبير، وأودعها الخير كل الخير، وطهرها من كل شر.
ولكن هنا يسأل أحدكم وما وصفها المادي؟ فأقول وصفها أيضاً شيخ الإسلام فقال: إن سألت عن أرضها وتربتها فهي المسك والزعفران، وإن سألت عن سقفها فهو عرش الرحمن، وإن سألت عن ملاطها فهو المسك الأذفر، وإن سألت عن حصبائها فهو اللؤلؤ والمرجان والجوهر، وإن سألت عن بنائها فلبنة من فضة ولبنة من ذهب، وإن سألت عن أشجارها فما فيها من شجرة إلا وساقها من ذهب أو فضة، وإن سألت عن ثمارها فأمثال القلال، ألين من الزبد وأحلى من العسل، وإن سألت عن ورقها فأحسن ما يكون من رقائق الحُلل، وإن سألت عن أنهارها فأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى.
ماذا؟.. الجنة هكذا؟ نعم، الجنة التراب الذى سنسير عليه فيها مسك، نعم..هي لو نظرنا الى سقفها سنجده عرش الرحمن، وإذا رأينا الطين الذى تلتصق به لبنات البناء سنجده المسك الأذفر، والحصى الملقى فى أرضها لؤلؤ وجواهر، أما منازلها فبناها الله لبنة من فضة ولبنة من ذهب، وأشجارها ليست خشب إنما هي إما ذهب وإما فضة، وثمار شجرها طيب لين وحلو المذاق، أنهارها إما لبن وخمر وعسل، خمر يا ربي وأنت حرمته علينا؟ نعم حرم الله الخمر على عباده فى الدنيا ليعطيهم إياه أنهاراً طيبة المذاق فى الجنة.
نعم يا إخوتي هذا وصف الجنة الذى علمناه من حبيبنا المصطفى صلوات ربى عليه وما خفي كان أعظم.
نعم..لا تتخيل أخى أن الجنة مجرد ماء وأشجار فقط، لا وربى الجنة إرث المتقين الصالحين بناء الله الذى بناه بيده، بالله عليك أخى هل تستطيع تخيله؟
وإن كانت الجنة عندك ما هي إلا الماء والأشجار فذلك راجع لضعف إيمانك وحبك وثقتك فى الله رب الأرباب، اللهم ارزقنا الجنة ولا تحرمنا نعيمها قط.
فإن كان كذلك وصفها، فكم يقدر ثمنها؟
قال النبى صلى الله عليه وسلم: "لن يدخل الجنة أحدكم بعمله" فمهما كان عمل العبد وبذله فى سبيل الله عز وجل فإنه لا يساوى بحال من الأحوال جنة الله عز وجل قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ولا أنت يا رسول الله؟ قال:"ولا أنا إلا أن يتغمدني ربى برحمته"، فكل أعمال الأمة فى ميزان نبيها صلوات الله وتسليمه عليه لأن من دعا الى هدى فله مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً بالإضافة الى ثواب أعماله التى هي أكمل الأعمال وأخلصها لله، ومع ذلك لا يساوى ذلك الخلود فى الجنة..!
فلابد من الاحتياج الى عفو الله عز وجل ورحمته، فينجون من النار بالعفو ويدخلون الجنة بالرحمة ويتقاسمون الدرجات بأعمالهم.
فالله لن يعوض المؤمنين الصالحين بالجنة فى الآخرة بدلاً من أعمال الخير فى الدنيا ولكنهم يدخلونها بعفو ربهم وأعمالهم تعد سبب من الأسباب لقوله تبارك وتعالى:{ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} [الأعراف:43]
وقال أيضاً:{كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم فى الأيام الخالية} [الحاقة:24]
وقد قال السلف إذا جاء عدل الله لم يبق لأحد حسنة، وإذا جاء فضله لم يبق لأحد سيئة.
فالله تعالى لا يظلم مثقال ذرة ولكنه إذا حكم على عباده بعدله هلك العباد جميعاً، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم:"من نوقش الحساب عُذّب"، وفى رواية أخرى:"من نوقش الحساب هلك"
وقوله:"عُذّب" له معنيان:
الأول: المناقشة وعرض الذنوب والتوقيف عليها هو التعذيب لما فيه من توبيخ.
والثاني: أنه مفضٍ الى العذاب بالنار، ويؤيده فى الرواية الأخرى "هلك" مكان "عُذّب".
والمعنى الثاني هو الصحيح ومعناه أن التقصير غالب فى العباد فمن استقصى عليه ولم يسامح هلك ودخل النار ولكن الله تعالى يعفو ويغفر ما دون الشرك لمن شاء من عباده.