بسم الله الرحمن الرحيم
قصـّة من أروع القصص فيها فوائد جمـّة لعلّ قلوبنا ترّق وأعيننا تدمع:
حُكي أنّ رجلاً كان يعرف بدينار العيّار ،
وكان له والدةٌ صالحة تعظه وهو لا يتعظ ،
فمرّ في بعض الأيام بمقبرة ، فأخذ منها عظما ،
فـتفتت في يديه ، ففـّكرفي نفسه وقال :
ويحك يا دينار,
كأنـّي بك وقد صار عظمك هكذا رفاتاً ( حطاماً وفتاتاً )
والجسم ترابا ،
فندم على تفريطه وعـَزَم على التـّوبة ،
ورفع رأسه إلى السّماء وقال :
إلهي وسيدي ألقيتُ إليك مقاليد أمري فاقبلني وارحمني،
( يا الله ما أجملها من كلمات ألهمه الله إيـّاها ))
ثمّ أقبل نحو أمـّـَه متغيّر اللون منكسرَالقلب فقال :
يا أمّاه ما يُصنع بالعبد الآبق ( الهارب ) إذا أخذه سيـّده ؟قالت :
يُخشّنُ ملبسهُ ومطعمهُ وتـُغـَلّ يده وقدميه ، فقال:
أريد جبـّةً من صوفٍ وأقراصا من شعير وغِلّيْن(قيدين)
وافعلي بي كما يـُفعل بالعبد الآبق,
لعل مولاي يرى ذلـّي فيرحمني,
ففعلت به ما أرا د,
فكان إذا جنَّ عليه الليل أخذ في البكاء والعويل يقول لنفسه :
ويحك يا دينار ألك قوة على النـّار ؟
كيف تعرضت لغضب الجبار؟!!
ولا يزال كذلك إلى الصبـّاح، فقالت له أمـّه:
يا بني ارفق بنفسك فقال :
دعيني أتعب قليلا لعلي أستريح طويلا!!!
يا أمـّاه إنّ لي غداً موقفاً طويلاً بين يدي ربٍ جليل,
ولا أدري أيأمرُ بي إلى ظل ظليل,
أم إلى شرّ مقيل (مكان القيلولة )قالت :
يا بني خذ لنفسك راحةً ، قال :
لست للراحة أطلب ،
كأنـّكِ يا أمـّاه غداً بالخلائق يساقون إلى الجنـّة,
وأنا أساق إلى النـّار مع أهلها ،
فترَكَتْه وما هو عليه فأخذ بالبكاء والعبادة وقراءة القرآن،
فقرأ في بعض الليالي قوله تعالى
" فوربّك لنسألنّهم أجمعين * عما كانوا يعملون " الحجر 92-93
ففـّكر فيها وجعل يبكي حتى غشي عليه،
فجاءت أمـّه إليه ، فنادته ، فلم يجبها ، فقالت له :
يا حبيبي وقرة عيني أين الملتقى ؟
فقال بصوتٍ ضعيف :
يا أمـّاه إن لم تجديني في عرصات ( الساحة أو البقعة الواسعة)القيامة
فاسألي مالكا خازن النـّار عني،
ثمّ شهق شهقةً فمات رحمه الله,
فغسلته أمـّه وجهزته ،
وخرجت تنادي : أيها النـّاس هلمـّوا إلى الصلاة على قتيل النـّار ،
فجاء النـّاس من كل جانب,
فلم يـُر أكثر جمعاً ولا أغزر دمعاً من ذلك اليوم،
فلمـّا دفنوه نام بعض أصدقائه تلك الليلة,
فرآه يتبختر في الجنـّة وعليه حلةٌ خضراء,
وهو يقرأ الآية " فوربّك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون " ،
ويقول :
وعزته وجلاله ،سألني ورحمني وغفر لي وتجاوز عني،
ألا أخبروا عني والدتي بذلك .
رحمك الله يا دينار وجعل لنا فيك وأمثالك قدوة.
منقول