حاجة الطفل الى الام و اثرها في تكوين شخصيته :
هناك قاعدة عامة يؤكد عليها المربون وعلماء النفس المتخصصون في دراسة سلوك الطفل هي انه كلما كان الطفل صغير السن كلما كان بحاجة الى شخص محب له يعتني به ويكون الى جانبه اطول فترة ممكنة مما يشعره بالامان والاطمئنان .ولا يوجد شخص يمكن ان يقوم بهذه المهمة افضل من الأم ،الأمر الذي يفرض عليها ان تحاول ان تكون إلى جانب طفلها أطول فترة ممكنة،وأن تقارن بين ما يمكن أن تجنيه من العمل خارج المنزل و بين إيجابيات بقائها إلى جانب طفلها ،خاصة في السنوات الأولى من طفولته . وربما خرجت الأم من هذه المقارنة بنتيجة مفادها أن ما يمكن أن تحققه من ربح مادي من العمل خارج المنزل قد لا يوازي في شيء الأضرارالتي تلحق الطفل نتيجة غيابها عنه أثناء تواجدها في العمل خارج البيت.
إن بقاء الطفل في سنواته الأولى إلى جانب أمه ، و في الوقت نفس المنزل الذي ألفه و تعود على الأشخاص المتواجدين فيه وتعرف على محتوياته...، يعزز شعوره بالاطمئنان و يوفر له الجو المناسب ليكتسب المزيد من الخبرات السارة بعيدا عن أي خوف أو تهديد .فبالإضافة إلى حاجيات الطفل الغذائية والصحية...، فإنه يكون في حاجة إلى من يمنحه الشعور بالدفء و الأمان و الاطمئنان من خلال التواصل معه عن طريق تبادل الابتسامة و الضحك و اللعب معه، وعن طريق ما يسمعه الطفل من أصوات و كلمات و جمل تبعث فيه الارتياح ، مما يبعد عنه أي شعور بالألم على أن تكون بديلة عن الأم . ونفس الشيء بالنسبة للمربية أو الخادمة وأي شخص آخر يعهد إليه الطفل ، فإنه لا يمكن أن يقوم بنفس الوظيفة التي تقوم بها الأم .
ويثار عادة نقاش حول إيجابيات دور الحضانة بالنسبة للأطفال الذين يلتحقون بها في سن مبكرة من طفولتهم. فهناك بعض علماء النفس و التربية ممن يلحون على ضرورة عدم انقطاع الاتصال المباشر بين الأم و طفلها في السنوات الأولى من طفولتها ، اعتقادا منهم بأن حدوث هذا الانقطاع لفترة طولية من النهار يمكن أن يلحق ضررا بالصحة النفسية للطفل.إلا أن عددا من علماء النفس و التربية ،يخالفون هذا الرأي و يذهبون إلى أن الأطفال الصغار الذين يعهد بهم إلى دور حضانة متخصصة و متوفرة على شروط تربوية سليمة يمكن لهم أن يكتسبوا الخبرات أكثر مما لو ظلوا داخل أسرهم، وهو ما يساعدهم على نمو شخصياتهم بكيفية طبيعية ، خاصة إذا اتيح لهم أ ن يعاملوا داخل دور الحضانة بمزيد من التفهم و العطف.
وكحل توفيقي بين هذين الموقفين ، يقترح عالم النفس الفرنسي ( اجورياغيرا) أن يتم إحداث دور للحضانة في نفس المنشات أو المؤسسات التي تعمل فيها هذه الشريحة من النساء ،بحيث يتاح التردد على مشاهدة اطفالهن من حين إلى آخر، ليتأكدن من حسن معاملتهم، وبذلك لا يشعرن بالذنب لابتعادهن عن أطفالهن.